شدها الشوق لرؤية ابنها بعد مرور أشهر لم تكحل بها عيناها بطلته كما عودها مع بداية خدمته للعلم ، قامت بقطع المسافات من الجنوب إلى الشمال علها تحتضنه لثواني .. وطيف خياله لم يفارق ناظريها برهة .. تغفو وتصحو وهو ماثل أمامها تعانقه .. تقبله من وجنتيه وجبهته ، وهو يقبل يداها مع ابتسامة عميقة ، حطت الحافلة أخيراً في مدينة وشحتها ملاية الحزن من كل أطرافها .. فأينما تحولت النظرات تقع على أثار دمار .. إنها المرة الأولى التي تخرج بها من مدينتها القابعة في حضن الجنوب وتحط قدماها مدينة البياض الشاحب المشوب بلطخات حمراء وسواد .. سألت عن العنوان المكتوب في الورقة التي دونها لها قبل أن يلتحق بمكان خدمته .. واستطاعت الوصول بعد عناء .. توجهت إلى الحرس الموجود أمام المبنى طلبت منه أن يخبر محمد بقدومها .. رحب بها وأخبرها أن محمد حالياً في مهمة مع رفاقه وطلب منها الجلوس في الحديقة المقابلة للمبنى .. امتثلت وراحت تتخيل محمد بلباس الشهامة والكبرياء .. وكانت نظراتها ترافق الدقائق إلى مدخل المبنى .. فكلما حضر عسكري يتلهف قلبها .. ومن ثم تركن برهة .. سمعت أصوات التفجيرات قادمة من بعيد .. فأخذت تطلب اللطف من صاحب اللطف .. وظلت على حالتها تلك ما يقارب النصف ساعة .. فإذ بها تسمع أصوات الرصاص تنطلق من بنادق الحرس وعناصر جاؤوا من بعيد .. راحت نظراتها تتغلغل بينهم عل محمد يشق عباب الخيال ليظهر بالحقيقة أمامها .. وإذ بأحد الجنود يقول افتحوا الطريق معنا شهيد .. نزلت دموعها متحسرة على أم ذلك الشهيد .. هرعت لتقترب من السيارة التي تقل الشهيد .. كانت جثته ملفوفة بعلم الوطن .. حاولت الاقتراب لولا أحدهم طلب منها الابتعاد .. وبشعور الأمومة انطلقت منها كلمة أنا أمه .. هذا محمد .. نعم إنه محمد .. رفعت يديها إلى السماء .. لك الحمد يا رب أني استطعت أن أبصره .. عندها انطلقت زغرودة ممزوجة بلهيب الدموع .. لك الحمد يا رب .. سأعود ومحمد معي .. سأحضنه إلى صدري وأحلق به .. نظرت إلى من حولها تنظر إلى الجميع .. أنت بمقام محمد يا بني .. وأنت محمد .. كلكم محمد .. محمد استيقظ لقد جئت إليك لأحملك إلى القرية .. الآن أزهرت شجرتي واشتعلت شمعتي .. الآن رُفعت كرامتي عالياً .. محمد .. لامست عيناها جسده الهادئ .. فانطلقت أهزوجة أبكت الجميع .. هلت يا ابني هلت .. منارتك شعت ع كل الدنيا وهلت .. هلت روحك على قلبي هلت .. ركبت الطريق حتى لعندك هليت .. بعوني رح بضل كحلة .. وبتمي أحلى كلمة .. لك أم الشهيد ع الوطن هليت .. امتدت إليها يد قائد مجموعته ليضم رأسها إلى صدره ويقبله .. أمي كلنا نحن ولادك .. انسلت نظراتها من صدره إلى وجهه لتلامس عيون مليئة بالدموع دون أن تفارقها .. تشجعت وقالت : لا تجعلها تخرج من عينيك فالرجال لا تبكي .. ليعلم الجميع أن فرحة محمد ستكون بعد انتصاركم .. وكلكم مدعوون لمشاركتي بزفاف سورية المنصورة هذه هي فرحتي بكم جميعاً .. ورحت تقبل كل الجنود وهي تردد حبيبي يا محمد .. انت محمد .. وانت كمان محمد .. حبيب امك يا حبيبي .. وصلت إلى العلم الذي يلف الجسد الطاهر .. أنا أمك يا محمد يا الله سنذهب إلى القرية .. وانهالت عليه تقبله .. لن تفارقني بعد اليوم .. ولن أفارقك .. وغابت كلماتها مع أزيز الرصاص الكثيف ابتهاجاً بفرح الشهادة ..
حلب - سورية
٢٠١٢/١١/٣