الجمعة، 31 ديسمبر 2021

إلى ما يشبه النسيان بقلم سليمان دغش

 إلــــــــــى مــــــــــا يُشبِــــــــــــهُ النِّسيــــــــــــان / سليمان دغش

هيَ الآنَ تذرِفُ دَمعَها دَمعةً دَمعةً

إلى أن تَجِفَّ منابِعُ الدَّمعِ في مُقلتَيها

هَلْ يَجفُّ الدمعُ يوماً يا ترى؟

أيُّ سِرٍّ فيكَ يا نبع الدّموعِ، كم غَيمةً خَبَّأتَها

تحتَ الجُفونِ، قابَ هُدُبَينِ وأدنى من مراسيمِ البكاء

كم دمعةٍ تَلزَمُني الساعَةَ يا سيّدتي كيْ أشارِكَ في طُقوسِ الحُزنِ صمتَ الكبرياءْ

وأنينَ ناياتٍ تُوَشِّحُ بالكآبَةِ غابَةً في الرّوحِ أبكاها النَّدى شوقاً إلى الذِكرى

التي آلَتْ إلى ما يُشبِهُ النسيانَ كالقِصَصِ القديمةِ حينَ يَغمُرها غبارُ الوقتِ تُنسى

كَيفَ تُنسى الذّكرَياتُ والشُبّاكُ مفتوحٌ عليها في شِغافِ الرّوحِ

ما الذِّكرى سِوى رجعِ الصّدى، يَعلو ويَهبِطُ مَع تِلالِ الرّيحِ تَعبَثُ في المَدى المَفتوحِ،

لانِهايَةَ للمدى، إلى أن يَختَفي صَمتاً وَتيهاً في مَساراتِ السُّدى

فَخُذي عَينَيَّ في عَينَيكِ يا سَيِّدَتي

وابكي طَويلاً مِنهما لَهُما أو فيهما بِهِما إنّ بي شَغَفاً لأبكي

مثلَ عُصفورٍ يهيمُ بالطَّيَرانِ حُراً في فَضاءٍ أزرَق البُشرى

لكِنَّهُم قَد أغلقوا في حُلْمِهِ حتّى السّماءْ

وتَوَضّئي بجلالةِ الدّمعِ النّبيلِ وقَد تَجَلّى

على جَفنَينِ مكسورَينِ مِن ثِقَلِ الدُّموعِ وما الدَّمعاتُ إلا

قطَرات من نَدى الأرواحِ عَمَّدَها كَعادَتِهِ السَّنا

كأنّ الليلَ نامَ على جَفنَيكِ مُرتَبِكاً خَجولاً مِنْ سَوادِهِما البَهِيِّ،

ما أجمَلَ الأسوَدَ في الجَفنينِ يَغفو الليلُ فَوقَهُما أسيراً مَسّهُ نَعَسٌ سَماوِيٌّ

فصارَ أجمَلَ كُلَّما ازدادَ سَواداً وانحناءْ

هِيَ الآنَ تَذرِفُ دمعَها وَتَذوبُ كالشّمعَةِ في مِحرابِها الجَسَدِيِّ أضاءَتهُ بشَمعَةِ روحِها

لا شَيءَ يُؤنِسُ حُزنَ وِحدَتِها، تُحاوِلُ أن تَطيرَ

إلى زَمَنٍ مضى في الرّيحِ أبعَدَ من دلالاتِ الرؤى

لا الريحُ تَرجِعُ للوراءِ وَليسَ يَتبَعُها سواها في مَتاهاتِ السّراب

فخُذي عَينَيّ يا سَيِّدَتي وابكي كما شِئتِ وما شاءَ الهوى

فَبَعضُ الدَّمعِ ذاكِرَةٌ وذكرى لا تَعودُ وَبعضُ الدّمعِ يبقى كِبرياءْ

لا شَيءَ أقدس يا سيّدَتي من دَمعَةِ امرأةٍ بكت قَمَراً لمْ يُوَدِّعْها

فأغلَقَتْ شبّاكَها البَحرِيَّ، أطفَأَتِ القَناديلَ وَلاذَتْ بالغِيابْ

سليمان دغش

(من ديوان: "في المرآةِ أُشبِهُني" الصادر عن الدار الأهلية في بيروت)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ماذا يحدث في الارض بقلم مونيا بنيو منيرة

 ماذا يحدث في الأرض  ( الحلقة الأولى ) في هذه الأرض  وعلى ظهرها وعمق غاباتها وبين وديانها وقمم جبالها  مخلوق….  فضله الخالق وصنعه بنفسه  ونف...